قوله تعالى: {فذكِّر} أي: فَعِظ بالقرآن {فما أنت بنعمة ربِّك} أي: بإنعامه عليك بالنبوَّة {بكاهنٍ} وهو الذي يوهم أنه يعلم الغيب ويُخْبِر عمّا في غد من غير وحي. والمعنى: إنما تَنْطِق بالوحي لا كما يقول فيك كفار مكة.{أم يقولون شاعرٌ} أي: هو شاعر. وقال أبو عبيدة: {أم} بمعنى بل قال الأخطل:كَذَبتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِواسِطٍ *** غَلَسَ الْظَّلامِ مِنَّ الرَّبابِ خَيالاَلم يستفهم، إنما أوجب أنه رأى.قوله تعالى: {نَتربَّصُ به رَيْبَ المَنون} فيه قولان:أحدهما: أنه الموت، قاله ابن عباس.والثاني: حوادث الدهر، قاله مجاهد، قال ابن قتيبة: حوادث الدهر وأوجاعه ومصائبه، والمَنون الدهر، قال أبو ذؤيب:أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ *** والدَّهْرُ ليْسَ بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُهكذا أنشدنَاه أصحابُ الأصمعيّ عنه، وكان يذهب إلى أن المَنونَ الدَّهْرُ، قال: وقوله والدَّهْرُ ليس بمُعْتِبٍ يدُلُّ على ذلك، كأنه قال: أمِنَ الدِّهْرُ ورَيْبِهِ تتَوَجَّعُ؟! قال الكسائيُّ: العرب تقول: لا أكلِّمك آخِرَ المَنون، أي: آخِرَ الدَّهْر.قوله تعالى: {قُلْ تربَّصوا} أي: انتظِروا بي ذلك {فإني معكم من المتربِّصين} أي: من المُنتظِرين عذابَكم، فعُذِّبوا يومَ بدر بالسيف. وبعض المفسرين يقول: هذا منسوخ بآية السيف، ولا يصح، إِذ لاتضَادَّ بين الآيتين.قوله تعالى: {أمْ تأمُرُهم أحلامُهم بهذا} قال المفسرون: كانت عظماء قريش توصَف بالأحلام، وهي العُقول، فأزرى اللهُ بحُلومهم، إذ لم تُثمِر لهم معرفةَ الحق من الباطل. وقيل لعمرو بن العاص: ما بال قومِك لم يؤمِنوا وقد وصفهم اللهُ تعالى بالعُقول؟! فقال: تلك عُقول كادها بارئُها، أي: لمْ يَصْحَبْها التَّوفيقُ.وفي قوله: {أَمْ تأمُرُهم} وقوله: {أَمْ هُمْ} قولان:أحدهما: أنهما بمعنى بل، قاله أبو عبيدة.والثاني: بمعنى ألف الاستفهام، قاله الزجاج؛ قال: والمعنى: أتأمُرُهم أحلامُهم بترك القَبول ممَّن يدعوهم إلى التوحيد ويأتيهم على ذلك بالدَّلائل، أم يكفُرون طُغياناً وقد ظهر لهم الحق؟! وقال ابن قتيبة: المعنى: أم تدُلُّهم عقولُهم على هذا؟! لأن الحِلم يكون بالعقل، فكني عنه به.قوله تعالى: {أَمْ يقولون تقوَّله} أي: افتَعَل القرآنَ من تِلقاء نَفْسه؟ والتَّقوُّل: تكلُّف القول، ولا يستعمل إلاّ في الكذب {بّلْ} أي: ليس الأمر كما زعموا {لا يؤمِنون} بالقرآن، استكباراً.{فَلْيأتوا بحديثٍ مِثلِه} في نَظْمه وحُسن بيانه. وقرأ أبو رجاء، وأبو نهيك، ومورّق العجلي، وعاصم الجحدري: {بحديثِ مِثْلِه} بغير تنوين {إن كانوا صادقِين} أن محمداً تقوَّله.